کد مطلب:350904 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:269

الحضوری أنفع للأمة
لقد قامت الحجج النیرة والبراهین العقلیة، علی أن الرسول لا بد

له من خلیفة یجمع شمل الأمة، لئلا تتفرق عن الحق، بعد اجتماعها علیه. وهل یجمع شملها إلا ذلك القائم مقام الرسول؟ كما دلت تلك البراهین علی أن الخلیفة لا بد وأن یتحلی بالصفات التی تؤهله لأن یقوم مقام صاحب الرسالة لئلا یعجز عن إدارة شؤون الأمة وعن دحض مزاعم أهل الأهواء الفاسدة والعقائد الباطلة، بالبراهین القاطعة والحجج الحقة. فإن عجز عادت الأمة شیعا وشعبا، ومللا ونحلا. وكما دلت علی أن یكون له من العلم، بمقدار ما یمكن أن یمتد إلیه سلطانه ویهیمن علیه نظام الشریعة. ولا یمكن أن یخیم العدل والإصلاح والأمن، وذلك النظام علی كرة الأرض ما لم یكن لذلك القائم بالأمر علم بما یحدث فی هاتیك البقاع والأصقاع. ولا بد أن یكون علمه بالحوادث: كعلمه فی سائر الفنون والأدیان والمعارف والأحكام. وكیف یكون بهذه الصفة وهو الحجة علی العالم، والمؤدی عن صاحب الدعوة، والقائم بوظیفته.



[ صفحه 24]



ولو كان جاهلا ببعض تلك الشؤون، أو كلها، لما صلح لأن یؤدی عن الرسول، ویقوم مقامه، ویكون حجة الله علی العالم، الذی یحتج به علی أهل الملل والأدیان، وذوی الأهواء والآراء، والأضالیل والأباطیل وكیف یحتج الله علی عباده بذوی الجهل، ومن لا فقه له، ولا علم لدیه؟ وإن سئل عن شئ صمت، أو نطق أعرب بقوله عن جهله. وجملة القول إن الإمامة ضروریة للأمة، وإن الإمام لا بد له من ذلك العلم الزاخر المستمد من ینبوع علم العلام تعالی. ولو لم یكن فی الأمة إمام علی هذه الصفة، لما قامت لله الحجة البالغة علی خلقه بعد الرسول إذ لا تقوم الحجة بذوی الجهل. فإن كان أهل البیت هم الأئمة حقا والخلفاء صدقا، فلا بد أن یكونوا علماء بكل شئ علما حضوریا مما كان ویكون وما هو كائن، وفی كل فن وحكم وأمر. فلا یجوز أن یسأل الإمام عن شئ مهما كان، ولا یكون عنده علمه، ولا یحدث شئ وهو غیر خبیر به، لتكون لله تعالی به الحجة البالغة علی خلقه، كما كانت لصاحب الرسالة. ولولا الإمام لا نقطع أثر الرسالة العظیم، ولم تلمس الناس جدواها الجلیلة فی العاجل والآجل. إلی غیر هذا مما یستلزم إضعاف شأن الرسالة وعدم سرایة نفعها. وإذا أبت الظروف أن تسمح لذلك الإمام بإظهار ما أودعه العلام



[ صفحه 25]



سبحانه عنده من جلیل علمه، وأسرار حكمه. فلا یكون معنی ذاك أنه لیس لدیه هذا العلم والوجدان خیر مرشد إلی هذا الوجود، لظهوره أحیانا علی أفعال ذلك الإمام وأقواله، ومحاوراته ومناظراته. وإذا أضاعت الناس تلك المنفعة الجلیلة من مخزون علم الإمام، وصالح إرشاده وجمیل إصلاحه، بإعراضهم عنه وإقبالهم علی سواه. فلا یكون معنی ذلك أنه لا فائدة مهمة بعلمه، لأن الفائدة الجلیلة إنما ضاعت بما اختاره الناس لأنفسهم. فإن من یضع علی عینیه غشاوة لئلا یبصر القمر ونوره، فلا یعدم ذلك نور القمر، وإنما یعدم الانتفاع بذلك النور بسوء ما اختار. ولولا هذه الإضاعة وتلك الغشاوة، للمسوا تلك الجدوی، ولاهتدوا بذلك النور. نعم لو كان الإمام صاحب السیف والصولجان، وكانت الوسادة مثنیة له، لظهر علمه ناصعا تبصره كل عین وتلمس آثاره كل ید. ولم یملك من أئمة أهل البیت علیهم السلام أزمة الأمور إلا أمیر المؤمنین (ع) أربع سنین وأشهرا وأنت تعلم كیف لاقی من الأمة من النزاع والصراع والقراع. ومع ذلك فقد ظهرت له فی هذه المدة الوجیزة من الفضائل والعلوم ما ملأ الخافقین. وهی وإن كانت غیضا من فیض إلا أنها أدهشت العقول وأحارت الألباب حتی دعت بعض الضعفاء فی البصائر إلی الغلو فیه ورفعه عن مستوی البشر إلی منزلة الألوهیة. فكیف تراهم لو أبدی جمیع المكنون من عمله، والمخزون من حكمه وحكمه.



[ صفحه 26]